السلام عليكم مرحبا بك زائرنا العزيز في منتديات القليعة الجزائرية .إذا كنت عضوا فسجل دخولك وإذا لم تكن لديك عضوية فمرحبا بك فردا جديدا في عائلتنا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

السلام عليكم مرحبا بك زائرنا العزيز في منتديات القليعة الجزائرية .إذا كنت عضوا فسجل دخولك وإذا لم تكن لديك عضوية فمرحبا بك فردا جديدا في عائلتنا

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    لو تكـلم الـمـوتى ـ للشيخ/ سليمان الماجد -الدرس الأول -

    الإمبراطور
    الإمبراطور
    المدير العام
    المدير العام


    ذكر عدد الرسائل : 157
    العمر : 32
    البلد : الجزائر - برج بو عريريج
    رقم العضوية : 1
    المهنة : لو تكـلم الـمـوتى ـ للشيخ/ سليمان الماجد -الدرس الأول - Studen10
    السٌّمعَة : 4
    نقاط : 11714
    تاريخ التسجيل : 16/04/2008

    لو تكـلم الـمـوتى ـ للشيخ/ سليمان الماجد -الدرس الأول - Empty لو تكـلم الـمـوتى ـ للشيخ/ سليمان الماجد -الدرس الأول -

    مُساهمة من طرف الإمبراطور الثلاثاء نوفمبر 18, 2008 8:16 pm

    بسم الله الرحمن الرح

    هاذا درس منقول للفائدة

    لو تكـلم الـمـوتى
    الشيخ/ سليمان الماجد



    إخواني في الله أن تتصور حال الموتى فهذا نوع من التذكر المحمود لموتٍ موعود،كما قرر ذلك ابن الجوزي - رحمه الله تعالى- في صيد الخاطر حين قال: من أظرف الأشياء إفاقة المحتظر عند موته فإنه ينتبه إنتباهاً لا يوصف ويقلق قلقاً لا يحد ويتلهف على زمانه الماضي ويود لو تُرك كي يتدارك ما فاته ويصدق في توبته على مقدار يقينه بالموت ويكاد يقتل نفسه قبل موتها بالأسف ولو وجد ذرة من تلك الأحوال في أوان العافية حصل له كل مقصود من العمل بالتقوى،فالعاقل من مثّل تلك الساعة وعمل بمقتضى ذلك،فإن لم يتهيأ له تصوير ذلك على حقيقته تخايله على قدر يقظته،فإنه يكف الهوى ويبعث على الجد؛لنعش لحظات مع هذا التذكر على منهج ابن الجوزي- رحمه الله- لحقيقة الموت في وقفات تسع.
    -الوقفة الأولى: يا ليت قومي يعلمون
    -الوقفة الثانية: جـار غيـر عـزيز
    -الوقفة الثالثة: ولقد جئتمونا فرادى
    -الوقفة الرابعة: رفيقـة الـدرب
    -الوقفة الخامسة: ذبـول وردة
    -الوقفة السادسة: فـي الاستـراحة
    -الوقفة السابعة: ألا لله الدين الخالص
    -الوقفة الثامنة: هذه أموالي تقسم
    -الوقفة التاسعة: معالم النجاة



    تصور لو أن أهل القبور خرجوا من قبورهم،خرجوا بأكفان بالية ووجوه مغبرة ، خرجوا من سكون القبور وظلمتها إلى ضجيج الأرض وأضوائها، فركوا عيونهم، عركوا آذانهم ثم انطلقوا في أنحاء المدينة أشباحاً مهيبة ليحدثونا عن هول ما رأوا فماذا عساهم أن يقولوا بعد هول المطلع وسؤال منكر ونكير وحساب عسير، وكيف يا ترى سيكون حديث الأموات للأحياء.

    الوقفة الأول: يا ليت والدي يعلم

    هذا فتى مات في ريعان شبابه اختطفه الموت وهو أوسع الناس أملاً في العيش وأكثرهم رجاءً في متاع الحياة الدنيا،مات على إسراف منه بالمعاصي،فماذا عساه أن يقول لأبيه المفرّط في تربيته لو لقيه في هذه الدنيا لعله أن يقول: يا أبتي لقد رأيت ثمار ذنوبي وهي آثار تربيتك رأيت هذه الثمار ناراً تلظى وجحيماً لا يطاق، يا أبتي لقد كنت في حياتي تُعنى كثيراً بلباسي ومأكلي ومشربي ولكنك لم تكن تُعنى بقلبي وروحي لقد أهملتني في بداية مراهقتي، فلم توجهني إلى أصدقاء صالحين ، لم تكن تهتم بما أصاحب من أقاربي وجيراني وزملاء دراستي،لقد كانت فترة التأثير المثالي هي ما بين سن السابعة إلى سن الخامسة عشر وكنت تعلم وقتها يا أبتي أن هذه المرحلة هي مرحلة تصويب الولد نحو الهدف الصحيح،كنتُ أنا السهم وكنتَ أنت اليد والقوس والوتر،في هذه المرحلة كنا يا أبتي نتلقن كل شيء ونحب كل شيء ونستطلع كل شيء،في هذه المرحلة كنا نقلب أنواع الأصدقاء في معرض الدنيا العريض،أيهم ننتقي وأيهم نقتني وأيهم نصاحب، كنا في هذه المرحلة العجيبة عجينةً غضةً طيـّعة تستطيع توجيهنا الوجهة الصالحة،يا أبتي لكنك كنت وقتها تقضي أكثر أيام أسبوعك في الاستراحة مع الأصدقاء أو مع الزملاء أو مع الأقارب وفي مرات كنت تتابع تجاراتك التي لم تزد من سعادتك بل أحالت وجهك البشوش إلى صحراء من العبوس والغبرة والتشاؤم لم تكن يا أبتي تهتم باهتمامات مباحة لذلك كُنت أبحث عنها عند أيّ أحد مهما كان مقصده في توفيرها لي،ثم إنك جعلت علاقتي بك كعلاقة مدير مؤسسة فاشل بمرؤسيه،كانت علاقة الغطرسة والرسمية حتى أصاب علاقتي معك جفافاً وجفاءً وفجوة فلم أعد أقبل منك توجيهاً ولا نصيحة بسبب هذا الجفاء،ياأبتي لوأنك جعلتني صديقاً من أصدقائك لكان تأثيرك فيّ أكبر ولكنك كنت تعتبر هذه الصداقة مع أولادك ضرباً من التنازل الذي لا يليق برئيس مؤسسة محترمةٍ على حد زعمك، يا أبتي لو كنت أستطيع أن أقول غفر الله لك إهمالك في تربيتي لفعلت،ولكنني حينما فارقت هذه الدنيا بذنوب ثقيلة فإنني لا أملك أن أستغفر لنفسي من ذنب واحد من ذنوبي فكيف بذنوب غيري،ولكنك أنت الذي لازلت في دار المُهلة وتستطيع أن تستغفر لي ولنفسك، يا أبتي: إن تسببك في انحرافي لن يخفف عني شيئاً من العذاب الذي لقيته ولكنني أدعوك إلى التوبة من إهمالك لي وأدعوك إلى أن تتدارك الأمر مع بقية أخوتي قبل فوات الأوان، يا أبتي تدارك نفسك بالتوبة وتدارك إخواني بحسن التربية فلعل صلاحهم أن يكون سبباً في نجاتي يوم الدين.

    الوقفة الثانية: جار غير عزيز

    ولعل رجلاً من أهل هذه القبور أخذ يتهادى حتى وقف بباب جاره فلعله أن يعاتبه فيقول: جاري العزيز لقد كنت تطرق بابي فزعاً إذا رأيت الماء قد تسرب من الخزان العلوي حرصاً منك على مصلحتي ولكنك لم تكن تنبهني على بعض أصدقاء السوء الذين يخالطون أبنائي،لم تكن تذكرني بإهمالي لصلاة الجماعة، لم تكن تنبهني على إدخالي لأجهزة الفساد إلى منزلي، لقد كان حقيّ عليك أكثر من حقوق سائر الناس عليك فلو علمت يا جاري العزيز أن احتفاظك لنفسك بالصلاح لا ينجيك يوم الدين لمَا أهملتني،ولو علمت أن استثقالي لنصيحتك لا يسوّغ لك ترك نصيحتي ولبادرت إلى هذه النصيحة.

    الوقفة الثالثة : ولقد جئتمونا فرادى

    وهذا رجل تقلّب في مناصب مؤسسة خاصة أو عامة، كان في هذه الدائرة ملئ السمع والبصر، امتلأت ردهاتها بآماله العراض بل كادت لا تتسع لتلك الآمال ولقد فاجئه الموت وهو أوسع الناس أملاً وحرصاً ومزاحمة، كان يدخل دائرته التي اعتاد الدخول إليها كل صباح بنفس متوثبة متفائلة متطلعة إلى مستقبل وظيفي أكبر، لم يكن حين ذاك يفكر بالموت ولا ما بعده من هولٍ وعذاب ، فلو دخل دائرته بعد خروجه من قبره وتذكر وهو يلملم أكفانه المغبرة كم كان في دنياه في غرور، وكم كانت الأماني تضرب به في كل واد دون أن يفكر في حفرة القبر التي أودع فيها رهين عمله، لقد كان يتبختر في هذه الممرات بثيابٍ جديدة جميلة، لو وقعت عليها خردلة من غبار لنفضها بسبابته وهو الآن يلملم أكفاناً بالية بلغ الغبار والنتن منها كـل مبلغ ولعله لو مرّ بقسم الترقيات في دائرته لتذكر، كم كانت تزهق النفوس وتشرأب الأعناق للحصول على مرتبةٍ أو علاوة، بل ربما بذل دينه ومروءته من أجل ترقيةٍ أو علاوة وقد أيقن الآن ولكن بعد فوات الآوان أن رفعة الدرجات إنما هي عند الله وحده وأن علو مقام المرء إنما هو في قربه من الله وتمام عبوديته له،أما العبودية للدنيا فلا تزيده إلا حسرة وندامة وتشتتاً ولعله لو مر بغرفة بعض موظفيه لوجد هذا الموظف على عادته في الوشاية بزملائه ووضع العراقيل أمام أعمالهم ومشاريعهم حتى لا يظهر لهم نجم ولا يعلو لهم شأن ولا يعم لهم نفع وحتى لا يسبقوه بحسن رأي ولا جودة عمل فماذا عساه أن يقول لهذا الموظف لو رآه واستطاع أن يتكلم لعله أن يقول: هب أنك نافست مثل ما كُنتُ أنافس بالحلال والحرام فسبقت أقرانك وبرزت أترابك أليست سنياتٍ معدودة إن مُّد لك أجل ثم تأول بك الحال إلى عالم التقاعد حيث ينفض عنك أهل المصالح وتصير في عالم النسيان،هذا مآل الوظيفة في الدنيا أما مآلها في الآخرة فحفرة القبر الموحشة حيث لا أنيس إلا عملٍ صالح،ولعله أن يقول:كنا سمي المتورعين عن المنافسة المحرمة نسميهم سذجاً أو دراويش ذوي ورعٍ بارد لا طموح عنهم ولا يعرفون قيمة النجاح ولا يتذوقون طعم السباق مع الأقران،ولكن علمنا ولا ينفعنا هذا العلم الآن أن طريقتهم هي طريقة النجاة وأن المنافسة الحقيقية هي في قلب سليم وعمل صالح ينجو بها العبد من عذاب القبر الرهيب،وأن المنافسة الصحيحة هي التي لا تضر بالآخرين ولا تمنع مسيرة الخير ونفع الناس،آه آه ليتني أعود إلى الدنيا لأصفي سريرتي وأًحسن سيرتي،تالله إن صفاء السيرة هي راحة البدن وهي راحة النفس في الدنيا وهي النجاة في الآخرة،آه مما فعلنا بأنفسنا وما غرتنا هذه الدنيا وما أطعنا فيها إبليس الضلالة،وكنا نسمع قول الله تعالى{ وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } { فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ * قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَمَا أَضَلَّنَا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ * فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ * فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } ولعل صاحبنا ذلك الرئيس أن يرى في آخر الممر مكتب سعادة المدير حيث كان هو مديراً قبل وفاته،لقد تعود في هذا الممر أن يرى لأعوانه هناك إنتشاراً وخطفه وأصحاب المصالح بين يديه لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء والمراجعون يصدرون عن مكتبه بين موهوب ومحروم،رأى هذا المدير على ما عهد نفسه من إقصاء الأكفاء من الموظفين خوفاً من منافسته على جاهه وسلطانه فمرة بالعزل وأخرى بالمضايقة وأخرى بالتهميش رآه على ما كان يعرفه من نفسه من تكثير ذوي المطامع الذين لا يعرفون الذكاء إلا فيما يخدم سعادة المدير،ويكثر جاهه ويعظم سلطانه ومن ثم يحظون عنده بالرتب العالية والتقارير الكاذبة،لقد تعلم المدير وأعوانه بفطرةٍ مدنسة أن الدائرة التي لا تنجز مصالح الناس ومياه أعمالها دائماً جارية نقية يُرى باطنها من ظاهرها إنها إدارة لا تحقق المصالح الشخصية فلا بد من العمل بحرية من توفير مستنقعات آسنة متعكرة من مصالح الناس المتعطلة تسهل فيها حركة اللصوص ويسهل فيها اللعب على المغفلين فلذلك جعلوا هذه الدائرة في فوضى دائمة ثم حجبوا الناس عن سعادته حتى يوفروا هذه المستنقعات التي تعيش فيها الحشرات القذرة التي تحسن السمسرة في شراء الذمم وبيعها وهكذا حزن الاثنين معاً تعطيل مصالح الناس وأكل المال الحرام الذي يبذله الناس لإنجاز مصالحهم لعله أن يقف متأملاً في غمرة المراجعين بكفنه البالي المغبر فيقول:لو كان عندي القليل من التقوى والقليل من معرفة حال الدنيا وحال الآخرة لرأيت أن في النصح للناس أعظم الأجر والمثوبة،ماذا بقي معي في قبري من بريق المال الذي كنت أبذره بلا عد ولا حساب وأتمتع به بلا خوف من حشر وعذاب وماذا بقي معي من ضجيج الشرف وجلبة الأعوان وكثرة العلاقات والاتصالات وما أراه في عيون الناس من تعظيم وتبجيل،لقد تلاشى ذلك كله كبخار في يوم صائف فلم أدخل في هذا القبر من مالي وشرفي إلا بكفن،لله كم كنت مغروراً بهذه الدنيا حينئذ فقط أدركت معنى قوله-صلى الله عليه وسلم-(( ماذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه)) لقد كنت أرى ذلك كلّه ولكن نفسي كانت تزيّل لي ما أفعله وكانت شدة الإبهار في أنوار الدنيا تحجب عني رؤية الحقيقة فلم أتبينها إلا حين فات وقت الندم { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمْ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ}

    الوقفة الرابعة : رفيقة الدرب

    ولعل أحدهم حين خرج من قبره أن يلقى زوجته فيقول لها: كم كنتُ أرتكب الحرام رداً لجميل وفائك وعظيم صبرك وكم كنتُ أتساهل في الموبيقات من أجل سواد عينيك، لـقـد كنت أسافر السفر المحرم والسياحة السيئة بسبب حبي لكِ ومن أجل كلمة ثناء طيبه من لسانك العذب الرقيق،وكنتُ أُدخل أجهزة الفساد إلى منزلي من أجل ما تشتكين من فراغ قاتل على حد زعمك،لم أكن مقتنعاً بالكثير مما كنت أفعله بل كنت أعرف أنه الطريق الخطأ ولكنني في سكرة الهوى وحب الدنيا نسيت كل شيء،لقد كانت عقوبة ذلك ناراً لا تطاق وجحيماً لا يحتمل لقد كنت أستمع من كتاب الله إلى هذه الآيات { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ولم أكن والله لأرد كلام ربي،ولكن سلطان الهوى حجب عني تلك المخاطر حتى كنت أقول كيف تكون هذه الوردة الجميلة عدواً يستوجب الحذر ،الآن عرفت ذلك ولكن لم تعد تنفع المعرفة الآن ندمت ولكن لات حين مندم،لقد كنت أسمع كلام الله،لكنه سماع أذن لا سماع قلب،كنت أسمع قوله تعالى { فَإِذَا جَاءَتْ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ }.

    الوقفة الخامسة: ذبول وردة

    هذه فتاة ماتت في عمر الورود كانت ترى الحياة مرحاً وسعادة، كانت ترى أن أعظم السعادة هو أن تكون محط أنظار الناس وسبب إعجابهم فلذلك سعت إلى التميز في كل شيء ،في ملابسها في مشيتها، سعت إلى جديد الموضات حلالاً كانت أو حرام،تأخذها من أي وسيلة إعلامية،من المجلة أو التلفاز أو المحطة الفضائية، المهم هو التميز مهما كانت الوسيلة،فمرة تشبهت بالكافرات،ومرة تشبهت بالفاسقات،ومرة تشبهت بالممثلات والمغنيات،ومن أجل هذا التميز وتلك الجاذبية نزلت إلى الأسواق ومجامع الناس وقد ليست العباءة الضيقة لتتمتع على حد ظنها بالنظرات الجائعة،ومن أجل هذا التميز خرجت في الحفلات بثياب تخرج أكثر جسدها،وما سترته من جسدها فهو ضيق يجسّم عورتاها؛ يا ترى ما عساها أن تقول لو خرجت من قبرها وتكلمت : يا أمي لقد رأيت عذاب الله تعالى في ذلك القبر الموحش، رأيت عذاب الله حين أغريت الشباب ورأيت حين كنت أسوة سيئة للفتيات وقدوة سيئة لأختي الصغيرة في دخول هذه الطرق،أماه إذا كان هذا ما أصابني بسبب إقتداء أختي بي،فما ظنك بعذاب الله لمن كانت السبب الأول في انتشاره وما الظن بعذاب الله تعالى لمن يصنع هذه العباءات أو يبيعها،أماه لقد كنت أبدي مفاتن جسدي بطرق متعددة فمرة بالنقاب الواسع الذي يبدي عينين كحيلتين ويظهر أهداباً كسهام مريّشة حادة،أغرسها في قلوب الرجال لتصيبها في مقتل ومرة أدع العنان لعباءتي لتسفر عن نحرٍ أبيض و جيِد فضي،كوجهي في الضحى فتطير لذلك عقول وتضطرب أفئدة،أو أظهر قواماً كغصن البان حتى أطرب لتأوهات المفتونين،ومرات ومرات كنت أغش الحفلات وقد خلعت جلباب الحياء فأنا كاسية عارية إذا رآني الرائي فلا يخالني إلا في حفلة غربية ماجنه ،أبديت فيها عضداً كجمّارة نخلة فتية وأظهرت ساقاً وجزءاً من فخذ وظهر،فعلت كل ذلك حتى أبدو متميزة في مظهري،أتدرين يا أماه كيف آلت بي الحال في قبري لقد سالت تلك الأعين النجل مع سهامها المريّشة على خد متعفن مجعّد أسود،وصار ذلك النحر الفضي قطعة جلد أسود تتدلا أطرافه على عظام نخرة لتلامس قلباً طالما امتلأ بالهوى القاتل والغرور بالدنيا الفانية وطول الأمل الكاذب،لا أدري يا أماه كيف كنت أرى الدنيا طويلة طويلة،وأنا أرى الناس يموتون كل يوم ممن حولنا من الجيران والأقارب والأصدقاء،لا يفرق ملك الموت بين صغير وكبير وغني وفقير وملك وحقير،لله يا أماه كم كانت تلك المواعظ ترق أذني وتشاهدها عيني وتحسها يدي ومع ذلك لا أجد لها في نفسي أثرا إن السبب هو غلبة الهوى وحب الدنيا من الشهرة والتميز الكاذب والمفاخرة الجوفاء وحينئذ فقط عرفت معنى قول الله تعالى{ أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ } أماه إن ما أفعله هي منافسة ومسابقة ولكنها مسابقة لتحصيل نبات أخضر بهيج ولكنه بعد برهة يأول سريعاً إلى زوال،والسباق الحقيقي الثابت النافع إنما هو لتحصيل مغفرة الله تعالى وجناته { أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ } {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.
    .../... يتبع

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة أبريل 19, 2024 3:37 pm